ياجوج وماجوج
د.صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم
ياجوج وماجوج كقصه قرانيه تاريخية :غاية القرآن من إيراد قصه ياجوج وماجوج (شان سائر القصص التاريخية القرانيه الأخرى) هداية الناس إلي الحق والعبرة باعتبارهما مفهومين لازمين لهداية الناس في كل مكان وزمان في مجال النظر التاريخي.ولتحقيق هذه الغاية انقسم النص القرآني هنا إلي قسمين:
الأول: يتضمن الآيات ذات الدلالة القائمة بذاتها، والتي يمكن اعتبارها غايات يتحقق من خلالها غاية النص القرآني ،وتتمثل هنا في غايتي (أو مفهومي) الحق والعبرة :
الحق: تهدف القصة إلي دعوة الناس إلي ما هو حق أو تحري الحقيقة التاريخية دون افتراء( وهو ما يبحثه علم التاريخ) (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا{83}
العبرة: كما تهدف هذه القصة إلي الموعظة والعبرة أو المغزى والمعنى (وهو ما تبحثه فلسفة التاريخ) ومن هذه العبر:
النهى عن الفساد في الأرض، قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْن إِنَّ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مُفْسِدون في الأرْض فَهَلْ نَجعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً). [rtl]
الدعوة إلى العمل والأخذ بالأسباباى معرفه والتزام حتمية السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود الشهادى)( وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ثُمَّ أتْبَعَ سَبَباً) يقول ابن كثير( وهكذا ذو القرنين يسر الله له الأسباب، أي: الطرق والوسائل إلى فتح الأقاليم والرَّسَاتيق والبلاد والأراضي وكسر الأعداء، وكبت ملوك الأرض، وإذلال أهل الشرك. قد أوتي من كل شيء مما يحتاج إليه مثله سببًا، والله أعلم.وقال سعيد بن جبير في قوله: ( فَأَتْبَعَ سَبَبًا ) قال: علمًا. وهكذا قال عكرمة وعبيد بن يعلى، والسدي).[/rtl]
[rtl]الثاني: أي الآيات ذات الدلالة غير القائمة بذاتها بل القائمة بدلالة الآيات السابقة وتتمثل هنا في تفاصيل القصة كقوله تعالى( حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدّيْن وَجَدَ مِن دونهِما قَوْماً لاَ يَكَادونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً ، قالَ مَا مًكّنِّي فيهِ رَ بِّي خَيْرٌ فَأعِينُوني بِقوَّة أجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً، آتُوني زُبَرَ الحَدِيدِ حَتَّى إذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْن قَالَ انْفُخُوا حَتّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُوني أفْرِغْ عَليهِ قِطْراً، فَما اسْطَاعُوا أنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبا..ً)،. فهي بمثابة وسائل لتحقيق الغايات السابقة، وآية هذا أن الوقائع التاريخية تتميز بالفردية: أي تتحدث عن فرد مشخص لا يتكرر. والمكان والزمان: أي أن زمان ومكان الواقعة معين، بينما القصة القرآنية لم تتقيد بالزمان أو المكان المعين وتلغي مقولة الفردية فلم تذكر زمان ومكان ذي القرنين أو ياجوج وماجوج أو من هو ذي القرنين أو من هم ياجوج وماجوج. ولذا فان محاوله بعض المفسرين القدامى أو المحدثين تحديد من هو ذي القرنين أو من هم ياجوج وماجوج مثلا أو متى وأين ظهر ذي القرنين أو ياجوج وماجوج أو ومتى بنى سد ذي القرنين وأين يوجد... هو خروج عن الحكمة القرانيه من إيراد القصة،وقد أورد ابن كثير عددا من التفاسير التي تحاول تحديد من هو ذي القرنين ومتى وأين ظهر ثم بين ضعف النصوص التي تستند إليها ومن الامثله على ذلك(وقد أورد ابن جرير هاهنا، والأموي في مغازيه، حديثا أسنده وهو ضعيف، عن عقبة بن عامر، "أنه كان شابا من الروم، وأنه بنى الإسكندرية، ". وفيه طول ونكارة، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل. والعجب أن أبا زُرْعَة الرازي، مع جلالة قدره، ساقه بتمامه في كتابه دلائل النبوة، وذلك غريب منه، وفيه من النكارة أنه من الروم، وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني ابن فيليبس المقدوني، الذي تؤرخ به الروم).
[/rtl]
ياجوج وماجوج كشرط من اشراط الساعة: كما اثبت علماء أهل السنة فتح ياجوج وماجوج ودك السد الذي بناه ذي القرنين كشرط من اشراط الساعة الكبرى ، وقد استدلوا بقوله تعالى ("حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأجُوجُ وَمَأجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَة أبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ) ( الأنبياء: 96-97 )، وقوله تعالى( قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّاءَ وكَانَ وَعْدُ رَبَي حَقّاً، وتَرَكْنَا بَعْضُهُمْ يَوْمَئِذ يَمُوجُ فِي بَعْض وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً)(الكهف: 92-99) .
قول بعض العلماء بوجود نسل عرقي لياجوج وماجوج والرد عليه: وإذا كان القران الكريم قد قرر أن ياجوج وماجوج قد تم حجزهم خلف السد الذي بناه ذي القرنين، فان عددا من العلماء قد قرر أن لياجوج وماجوج نسل عرقي خارج السد ، أورد ابن حجر العسقلاني ومن رواية سعيد بن بشير عن قتادة قال(يأجوج ومأجوج ثنتان وعشرون قبيلة ، بني ذو القرنين السد على إحدى وعشرين " وكانت منهم قبيلة غائبة في الغزو وهم الأتراك فبقوا دون السد ) ، وأخرج ابن مردويه من طريق السدي قال ( الترك سرية من سرايا يأجوج ومأجوج خرجت تغير فجاء ذو القرنين فبنى السد فبقوا خارجا). والمقصود بالترك في هذه الأقوال المغول ، غير أن هذه الأقوال تتناقض مع ظاهر النصوص ، الذي يفيد أن كل ياجوج وماجوج قد تم حجزها وراء السد .
النسل الحضاري لياجوج وماجوج (ياجوج وماجوج الصغرى): وإذا كان القول بوجود نسل عرقي لياجوج وماجوج محل رفض ، فان من الممكن القول بأن لهم نسل حضاري ، وهو يمثل ياجوج وماجوج الصغرى (نسبه إلى علامات الساعة الصغرى)، وهو كل المفسدون في الأرض على وجه العموم ، وكل قبيلة أو شعب تتميز أو يتميز بحضارة وحشية، على وجوه الخصوص ، يقول الشيخ محمد متولي الشعراوى في تفسيره ( وإنما المهم من قصتهم أنهم قوم مفسدون في الأرض لا يتركون الصالح على صلاحه فإذا تصدى لهم المتمكن في الأرض فعليه أن يحول بينهم وبين هذا الإفساد، وياجوج وماجوج هم أهل الفساد في كل زمان ومكان)