موضوع: حصار بيت المقدس السبت أغسطس 01, 2009 5:21 pm
اقتباس :
الشيخ هشام العارف
عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله –صلى الله عليه وسلّم-: أيهما أفضل؛ أمسجد رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلّم-: «صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً». أو قال: «خير له من الدنيا وما فيها».
هذا الحديث صحيح، أخرجه إبراهيم بن طهمان في «مشيخته» (ص 118): عن قتادة، عن أبي الخليل، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر مرفوعاً. وأخرجه بإسناد صحيح عن قتادة: الطبراني في «الأوسط» «مجمع البحرين في زوائد المعجمين»(3/281/1821و1822)، والحاكم في «المستدرك» (4/509) ، والمقدسي في «فضائل بيت المقدس» (18)، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي، والإمام الألباني. والحديث أخرجه الواسطي في «فضائل بيت المقدس»، والطحاوي في «مشكل الآثار»، والبيهقي في «شعب الإيمان».
غريب الحديث:
«شطن فرسه»: قال في «اللسان»: «الشطن: الحبل، والجمع أشطان». وقد ورد في رواية المقدسي (18): «سية قوسه» بدلاً من شطن فرسه، و(سية القوس) طرف قابها، وقيل رأسها [انظر «اللسان» مادة: سيا]، قال الأصمعي: «سية القوس: ما عطف من طرفيها، ولها سيتان، والجمع سيات». وفي رواية الطبراني «الأوسط»، «مجمع البحرين»(3/281): «مثل قوسه من الأرض». وفي «زاد المسير» (8/18-سورة النجم):«ويقال القاب: ما بين المقبض والسية، ولكل قوس قابان».
فوائد الحديث:
1) هذا الحديث من أعلام نبوته –صلى الله عليه وسلّم-، أن يتمنّى المرء المسلم أن يكون له من الأرض هذا القدر الصغير حتى يرى منه بيت المقدس. قال الدكتور محمد طاهر مالك في تحقيقه «مشيخة ابن طهمان»: «ومن المؤسف أن وقائع الأحداث تشير إلى أننا في طريق تحقيق هذا الحديث الذي هو من دلائل النبوة، وأن مؤامرات الأعداء على المسجد الأقصى وبيت المقدس ستستمر وتتصاعد وتشتد لدرجة أن يتمنى المسلم أن يكون له موضع صغير يطل منه على بيت المقدس أو يراه منه، ويكون ذلك عنده أحبَّ إليه من الدنيا جميعاً، ولا شكَّ أن يكون بعد ذلك الفرج والنَّصر -إن شاء الله-، ولله الأمر من قبل ومن بعد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».انتهى. قلت: وهذا الذي قاله محمد طاهر مالك كان سنة 1403هـ الموافق سنة 1983م.
* وفي الحديث إعلام منه –صلى الله عليه وسلّم-بما يصيب أمته من ضعف في الإيمان. فإذا صار اعتقادهم بالله -تعالى- هشاً، واتكالهم عليه ضعيفاً، انتابهم ما يحزن الفؤاد، ويدمي القلب، مما نراه واضحاً عياناً من تسلط أعداء الله -تعالى- على ديارهم ومساجدهم، وبالأخص المسجد الأقصى فيسلبونهم الصلاة فيه، والاعتكاف فيه، وهو محل دعوة رسل الله -تعالى-، ومنه عرج محمد –صلى الله عليه وسلّم- إلى السماء». وتحت عنوان (الترغيب في سكنى بيت المقدس) قال المكناسي في «فضائل بيت المقدس» ـ ولم يسنده ـ : «وفي حديث علي بن أبي طالب، وقد ذكر أشياء من أشراط الساعة، ثم قال: يا صعصعة بن صوحان: نعم المسكن يومئذ بيت المقدس، وليأتين على الناس زمان يقول أحدهم: يا ليتني في تبنة لبنة في سور بيت المقدس».
2) الحديث أصح ما ورد في ثواب الصلاة في المسجد الأقصى. وما في هذا الحديث يدل على أن الصلاة في مسجد النبي –صلى الله عليه وسلّم- كأربع صلوات في المسجد الأقصى، يعني: أن الصلاة في المسجد الأقصى كمئتين وخمسين صلاة في الثواب. والأحاديث القائلة بتضعيف الصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة أحاديث أسانيدها ضعيفة لا تقوم بها حجة. وقد نقل ابن حجر في «الفتح» (3/68) عن الطحاوي وغيره: أن تضعيف الصـلاة مختص بالفرائض لقولـه –صلى الله عليه وسلّم-: «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة». ثم إن التضعيف المذكور يرجع إلى الثواب، ولا يتعدى الإجزاء -باتفاق العلماء- كما نقله النووي وغيره، فلو كان عليه صلاتان فصلى في أحد المسجدين صلاة لم تُجْزهِ إلا عن واحدة والله أعلم.
3) وفي الحديث بيان شيء آخر من فضائل المسجد الأقصى فقد امتدحه النبي –صلى الله عليه وسلّم- وقال: ولنعم المصلى هو. ولم لا وهو قبلة المسلمين الأولى، ومسرى النبي –صلى الله عليه وسلّم-؟! وقد صلى فيه إماماً للأنبياء.
4) وفي الحديث إعلام منه –صلى الله عليه وسلّم-بما يصيب أمته من ضعف في الإيمان. فإذا صار اعتقادهم بالله -تعالى- هشاً، واتكالهم عليه ضعيفاً، انتابهم ما يحزن الفؤاد، ويدمي القلب، مما نراه واضحاً عياناً من تسلط أعداء الله -تعالى- على ديارهم ومساجدهم، وبالأخص المسجد الأقصى فيسلبونهم الصلاة فيه، والاعتكاف فيه، وهو محل دعوة رسل الله -تعالى-، ومنه عرج محمد –صلى الله عليه وسلّم- إلى السماء.
5) وفي الحديث إيقاظ همة المسلم، همة عباد الله ، لإحياء الدعوة إلى الله. فإذا تمنى العبد المسلم أن يكون له هذا القدر الصغير من الأرض بحيث منه يرى المسجد الأقصى -وهو الممنوع من الدخول إليه والصلاة والدعاء فيه-، فهذا يعني بداية الشعور بالألم والحسرة على ما فات المسلمين من التفريط في حقِّ الله -تعالى- في عبادته، وسوف يتعاظم هذا الألم، وتتعاظم هذه الحسرة شيئأً فشيئاً حتى يتمنى المرء المسلم أنّ له هذا القدر الصغير من الأرض؛ فهو خير له من الدنيا وما فيها.
6) وفي الحديث الحث على التَّمسك بدين الله -تعالى-، والحث على الثبات على الصراط المستقيم، وفهم الدين من خلال الاعتقاد الصحيح الذي يرضى الله عنه. ولا يتأتى ذلك إلا بالعلم النافع والعمل الصالح؛ ألا ترى أن الضعف في اعتقاد الناس بربهم -عز وجل- أدى إلى أنْ سلب أعداءُ اللهِ بيتَ اللهِ ـ المسجد الأقصى ـ، وأنه حين يبدأ هذا الشعور بالألم والحسرة يتجه المسلم إلى النّدم والتّوبة، وعندها حين يرى منه مبلغ الحسرة وصحة التوبة فهو على وشك نصر من الله -تعالى-، وأول بشائره الرجعة إلى دينه على فهم السلف الصالح، والصبر والحلم والصفح حتى يأتي الله بأمره، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
7)وفي الحديث إشارة خفية إلى فضيلة بلاد الشام وأهلها، لقول النبي –صلى الله عليه وسلّم-: «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم». وهذا يعني أنه بصلاح أهل الشام وقيامهم بتوحيد الله -عز وجل- حق القيام تكون الخيرية في المسلمين، وأن العودة الحميدة إلى دين الله -تعالى- وشرعه في أهل الشام عنوان خير وأمل للمسلمين جميعاً، فإذا تحرك أهل الشام نحو الصلاح والإصلاح، وآزرهم إخوانهم من شتى البقاع المسلمة وعاونوهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أيقظ ذلك في النّفوس أهمية الاعتقاد الصحيح بالله -تعالى-، فإذا تغيرت النّفوس وصح الاعتقاد فطنوا إلى دعوة الحقِّ وقالوا: لقد جاءت رسل ربنا بالحق، فيكونوا على قلب رجلٍ واحدٍ؛ فيعالجوا المسائل من خلالكلام الله -تعالى-، وكلام رسول الله –صلى الله عليه وسلّم-، وما فهمه الصحابة وأهل الحديث والسلف الصالح. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.