* فَوَلِّ يستخدم هذا الفعل لإنسان عاقل ويفيد الحركة وتوجيه الفؤاد والنظر باتجاه معين ومكان مقصود [مع استطاعة و إمكانية التلفت ولكن لانشغال الفؤاد وتوجه نظره نحو المكان المعين و المقصود يقل التلفت] وهذا أبلغنا الله إياه في قصة موسى * {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ } * {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ } فانشغال فؤاد موسى عليه السلام خوفا من الذي رآه من تحول عصاه " كأنها جان " وتوجه نظره نحو مكان معين مقصود " مكان هروبه " يقل التلفت . والأصل فيمن يصلي بحضرة الله عز وجل أن ينشغل فؤاده خشية ومحبة لله فيوجه قلبه وجميع أركانه عابدا الله وحده قائما وراكعا وساجدا متجها نحو ما أمره الله " شطر المسجد الحرام " وليس كما يثير كل وسواس خناس طعنا بأن المسلمين يصلون لحجر أو أن الله يجلس في ذلك الموضع تعالى الله عما يفترون به علوا كبيرا ؟؟! لو جُلت بخاطرك ونظرت متخيلا إلى الصورة الجماعية للمسلمين وهم يصلون كما أمرهم ربهم في جميع أصقاع الأرض وعرصاتها إجلالا وإكراما وتعظيما لملك الملوك رب الأرباب الإله الواحد الأحد لرأيتهم مطأطي الرؤوس مولين أنظارهم نحو شطر المسجد الحرام وهذا من لوازم العبودية ومن واجبات العبد لخالقه أن يظهر له الخضوع و المذلة والإستكانة له وحده توحيدا لله بجميع أفعاله وسكناته وان يعظمه ويجله ويفرده بأسمائه وصفاته وأفعاله فهم على أرضه بتناغم واحد مع أهل السماء في منظومة واحدة كالجسد الواحد في ملكه تحت عرشه وهذا إمعانا وتأكيدا لعظمة الله وجلاله وكبريائه فنحن لا نتوجه لحجر بل يوجهنا الله أنه في سمائه وفي عليائه على العرش استوى فنستصغر أنفسنا ونقر بعظمته وجلاله وعظيم سلطانه
* الوجه - وما يواجهك من الرأس وفيه العينان والفم والأنف - والقلب وفي الحديث ( لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) كنى بذلك عن اختلاف الأهواء - والقصد - والجهة والناحية
نخلص مما سبق أن الوجه فيه معنى مادي عضوي وآخر معنوي روحي أما - المعنى العضوي هو الوجه على الحقيقة وما فيه من عينان وفم وأنف حتى أطراف الأذنين وهذا المعنى أبين وأوضح للسامع من المعنيين التاليين
- المعنى الروحي وهو توجه القلب والخشوع وإخلاص النية وصفاء القصد لله وحده وسلامة وصحة الوجه في المعنى الروحي ينعكس إيجابا و صحة و سلامة على الوجه في المعنى العضوي - المعنى الجغرافي وهو الجهة و الناحية التي يتوجه إليها الوجه في المعنى العضوي .
* الشَّطْرُ الشَّطْرُ نصف الشيء و يستعمل في الجزء منه والشَّطْرُ الناحية و في التنزيل العزيز فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ( الشطور ) يقال ثوب شطور أحد طرفي عرضه أطول من الآخر
وكل كتب شرح معاني الألفاظ تتفق بلا خلاف على ما أسلفنا من معاني للفظة شطر ونفهم من سياق ما مضى من معاني الشطر أن الأرض كروية وليست مسطحة وأي نقطة على سطح الأرض لها إتجاهين منحنيين على شكل قوسين باتجاه مكة " يلتقيان في مكة " على الدائرة المحيطية على سطح الأرض والتي يمر بهذه الدائرة المحيطية نقطتين إلزاميتين هما مكة المكرمة و تلك النقطة ولفظة شطرة تفيد أن أحد هذين القوسين اقصر من الآخر لأن مفهوم الشطرة يفيد النصف أو الأقل والأقصر وهو الجزء ولا تفيد الأكثر أو الأطول بأي حال من الأحوال إذن هناك شطرتين إحداها أقصر من الأخرى , الأولى [تكون أقصر المسافات المنحنية المستقيمة للمراقب الرأسي فوق ذلك المنحنى على سطح الأرض]" الإزاحة الكروية " بين تلك النقطة ومكة وهي الشطرة التي يجب على المصلي إعتمادها لأن الله أمرنا أن نتوجه باتجاهها والثانية [تكون أطول المسافات المنحنية المستقيمة للمراقب الرأسي فوق ذلك المنحنى على سطح الأرض] وأننا نتخير الشطرة الأقصر أو المنصفة تماما.
إذن فالشطر ليس الإتجاه المستقيم على مستوى أفق الناظر وإنما هو الإتجاه المنحني الملامس والمرسوم على سطح الأرض بين الكعبة و بين المصلي وكل مصلي له شطرتين على الأقل بالنسبة للكعبة شطرة قصيرة " بإزاحة كروية " تلتقي مع شطرة طويلة أخرى مقابلة لها وكلا الشطرتين يجب أن تقعان في مستوى واحد من مستويات الإحداثيات الديكارتي 0
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
* ( البيهقي والحاكم ) و ( كان إذا صلى طأطأ رأسه ورمى ببصره نحو الأرض ) * ( البيهقي والحاكم وصححه ) و ( لما دخل الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها ) * ( البخاري وأبو داود ) و ( كان ينهى عن رفع البصر إلى السماء ) ويؤكد في النهي حتى قال : * ( البخاري ومسلم ) ( لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم ( وفي رواية : أو لتخطفن أبصارهم ) * ( أحمد وأبو يعلى ) و ( نهى عن ثلاث : عن نقرة كنقرة الديك وإقعاء كإقعاء الكلب والتفات كالتفات الثعلب )
ومن أخطاء المصلين رفع البصر إلى السماء , أو النظر إلى الإمام , أو عن اليمين و الشمال مما يسبب السهو و حديث النفس , وقد ورد الأمر بخفض البصر , والنظر إلى موضع السجود , إلا في حالة الجلوس للتشهد , فإن النظر يكون إلى الإشارة بالسبابة لا يتجاوزها , فقد ثبت في هديه في الصلاة " لَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ "
من خلال ما سبق أنظر يا رعاك الله كيف يول المصلي وجهه شطر المسجد الحرام
عدل سابقا من قبل أبو عبدالرحمن المقدسي في الجمعة أبريل 29, 2022 12:52 am عدل 1 مرات