عنوان الخطبة: عذاب القبر. الخطيب: زهير بن حسن حميدات. المسجد: عبد الرحمن بن عوف. الدولة: فلسطين، الخليل، صوريف. تاريخ الخطبة: 5/جمادى الأولى/1424هـ (4/7/2003م). إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سيِّئاتِ أَعمالِنا، مِنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وصَفِيُّهُ مِنْ خلقِهِ وخليلُه، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ. مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا. وَنَسْأَلُ اللَّهَ رَبَّنَا أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يُطِيعُهُ وَيُطِيعُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَتَّبِعُ رِضْوَانَهُ، وَيَجْتَنِبُ سَخَطَهُ، فَإِنَّمَا نَحْنُ بِهِ وَلَهُ. أما بعد: أيها الناس، تمر الجنائز بالناس، فيجهزونها ويصلون عليها ويسيرون خلفها، يشيعونها محمولة إلى مثواها الأخير، فتراهم يلقون عليها نظرات عابرة، وربما طاف بهم طائف من الحزن يسير، أو أظلهم ظلال من الكآبة خفيف، ثم سرعان ما يغلب على الناس نشوة الحياة وغفلة المعاش، غافلين عن عذاب القبر ونعيمه، غير آبهين بما يجري للميت من بعد دفنه. أيها الناس، رُوي أن يهودية كانت تخدم عائشة رضي الله عنها, فلا تصنع عائشة إليها شيئًا من المعروف إلا قالت لها اليهودية: وقاك الله عذاب القبر, قالت عائشة رضي الله عنها: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ، فقلت: يا رسول الله، هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة؟ قال: ((لا, من زعم ذلك؟)) قالت عائشة: هذه اليهودية, لا أصنع إليها شيئًا من المعروف إلا قالت: وقاك الله عذاب القبر, قال: ((كذبت يهود وهم على الله أكذب, لا عذاب دون يوم القيامة)) ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث, فخرج ذات يوم نصف النهار مشتملاً بثوبه محمرة عيناه وهو ينادي بأعلى صوته: ((القبر كقطع الليل المظلم. أيها الناس، لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرًا وضحكتم قليلاً. أيها الناس، استعيذوا بالله من عذاب القبر؛ فإن عذاب القبر حق)). أيها الناس، اعلموا أن القبر أول منازل الآخرة, وأنه من مات فقد قامت قيامته, وأن العبد إذا قُبر عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي؛ إن كان من أهل الجنة عرض له مقعده من الجنة, وإن كان من أهل النار عرض عليه مقعده من النار. يُفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعًا, ويكون له روضة من رياض الجنة إلى يوم يبعثون. وأما الكافر فيُضرب بمطرقة من حديد، ويُضيَّق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويكون عليه حفرة من حفر النار إلى يوم يبعثون. أيها الناس، مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان المدينة فسمع صوت إنسانين يعذبان _سمع صوتًا لا يسمعه الناس, ولو سمعوه لماتوا وصُعقوا, سمع صوتًا لا يسمعه الناس, ولو سمعوه ما هدأت جفون ولا نامت عيون_ فقال عليه الصلاة والسلام: ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله بالبكاء)). واعلموا رحمكم الله أنه إذا حف قبر الإنسان فما بعده خير منه؛ لذلك كان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا رأى القبر بكى بكاء الثكلى, فقيل له: يا أمير المؤمنين، مالك تُذكر عندك الجنة والنار وعذاب الآخرة فلا تبكي, فإذا رأيت القبر بكيت؟!! قال رضي الله عنه: إن القبر أول منازل الآخرة إذا صلح وحسن فما بعده أيسر منه. إنها الحفرة التي يقول فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار))، إنها الحفرة التي يفتن فيها الناس فتنة عظيمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبًا من فتنة المسيح الدجال)). أيها المسلمون، إن المؤمن ينعم في قبره، ويأتيه من ريح الجنة وريحانها؛ فيشتاق إليها، فيقول: يا رب أقم الساعة يا رب أقم الساعة. وإن الكافر أو الفاجر يأتيه في قبره من سموم النار فيقول: رب لا تقم الساعة, رب لا تقم الساعة. لا إله إلا الله, لا إله إلا الله, ما أشدها من ساعة, وما أتعسها من حياة, وما أشقاها من لذة. أألعب في الدنيا وأرتكب الحرام وأفعل الجرائم وأستمع للغناء وأنظر إلى الحرام وأتلذذ بشهوة أو أتمتع بمعصية ثم يكون هذا مصيري؟!! اللهم غفرانك اللهم غفرانك {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحًا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون}.
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إله الأولين والآخرين, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، المصطفى الأمين، صلى الله عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى جميع أصحابه الغر الميامين, ومن سار على نهجهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين. أما بعد: أيها المسلمون، لقد وقف نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم على شفير قبر فبكى حتى بل الثرى ثم قال: ((يا إخواني لمثل هذا فأعدوا))، وسأله عليه الصلاة والسلام رجل فقال: من أكيس الناس يا رسول الله؟ فقال: ((أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم استعدادا له، أولئك هم الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت)). ألا فاتقوا الله عباد الله، واحفظوا الله ما استحفظكم، وكونوا أمناء على ما استودعكم؛ فإنكم عند ربكم موقفون، وعلى أعمالكم مجزيون، وعلى تفريطكم نادمون. قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ} [آل عمران:185].
موضوع: رد: عذاب القبر الجمعة أغسطس 07, 2009 4:31 pm
3-
اقتباس :
سبحان الله! ترى الشاب الممتلئ صحة وعافية، والشجاع الذي يصرع الأبطال، تراه في لحظة يسيرة قد استحال جثة هامدة، وصار جسمًا لا حراك به، فذهب ذلك الشباب، وتلاشت تلك القوة، وتعطلت حواسه، تعطل سمعه وبصره وشمه، وخرس لسانه، وقد يكون عالمًا ضليعًا، أو أديبًا بليغًا، أو طبيبًا ماهرًا، أو مخترعًا بارعًا، ولكن هيهات أن يمنع ذلك قبضَ الأرواح إذا انقضت الأعمار، قال تعالى: {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس: 49]. يتمتع الإنسان بصحته، وينعم بعافية، ويرتع ويلعب ويتيه عجبًا، ويشمخ أنفًا، ويأمر وينهى، فإذا بمرض الموت قد هجم عليه هجومَ الأسد على فريسته، فيضعف جسده، ويخفت صوته، وترتخي مفاصله، وتضمحل قواه، وتُطوى صحف أعماله بعد أن يرحل عن دنياه، فما أقرب الموت! كل يوم يدنو منا ونحن ندنو منه، وليس بيننا وبينه إلا أن يبلغ الكتاب أجله، فإذا نحن في عداد الموتى. فما الأعمار في الحقيقة إلا أزهار تتفتح ثم تذبل، أو مصباح ينير ثم ينطفئ، أو شهاب يضيء ثم يصير رمادًا، وليبحث فوق رمال هذه القبور المبعثرة، وبين أحجارها المتهدمة المتساقطة، ليبحث أربابُ المطامع وطلابُ الدنيا، ليعلموا أن طريق الشهوات والملذات المحرمة _وإن كانت مخضرة مزدانة بالأزهار_ فإنها تؤدي في نهايتها إلى هذا المصير الذي صار إليه المقبورون، فطوبى لمن أتاه بريد الموت بالإشخاص قبل أن يفتح ناظريه على هؤلاء الأشخاص، ومن لم يردعه القرآن والموت فلو تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع. ما نراه في المقابر أعظم وأكبر معتبر، فحامل الجنازة اليوم محمول غدًا، ومن يرجع من المقبرة إلى بيته سيُرجع عنه غدًا، ويُترك وحيدًا فريدًا مرتهنًا بعمله، فإن خيرًا فخير وإن شرًا فشر. أين الذين بلغوا المنى، فما لهم في المنى منازع، جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا، بنوا مساكنهم فما سكنوا، ولكننا ننسى الموت، ونسبح في بحر الحياة, وكأننا مخلدون في هذه الدار، وأويس القرني يقول: (توسدوا الموت إذا نمتم، واجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم). فلنتذكر الموت _أيها الأحباب_ لنحسن الاستعداد لما بعد الموت بالعمل والطاعة والاجتهاد في العبادة؛ من صيام وقيام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ومساعدة المحتاجين. لنحسن الاستعداد للموت بهجر المنكرات وترك المعاصي ورد المظالم والحقوق إلى أهلها. لنحسن الاستعداد للموت بإزالة الشحناء والبغضاء والعداوة من القلوب، لنحسن الاستعداد للموت ببر الوالدين وصلة الرحم. وقيل: (من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة. ومن نسي الموت عوجل بثلاثة: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل بالعبادة). أيها الناس، متى يستعد للموت من تظلله سحائب الهوى ويسير في أودية الغفلة؟! متى يستعد للموت من لا يبالي بأمر الله في حلال أو حرام؟! متى يستعد للموت من هجر القرآن، ولا يعرف صلاة الفجر مع الجماعة، مَن أكل أموال الناس بالباطل، وأكل الربا وارتكب الزنا؟! كيف يكون مستعدًا للموت من لوث لسانه بالغيبة والنميمة، وامتلأ قلبه بالحقد والحسد، وضيع أوقات عمره في تتبع عورات المسلمين والوقوع في أعراضهم؟!. أيها المسلمون، توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، ((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ)). لا تكونوا _رحمكم الله_ ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة لطول الأمل؛ وقد علمتم أن الموت يأتي بغتة. أكثروا من زيارة القبور فإنها تذكر بالآخرة. اعتبروا بمن صار تحت التراب، وانقطع عن أهله والأحباب، جاءه الموت في وقت لم يحتسبه، وهول لم يرتقبه. اتقوا الله _رحمكم الله_ وارجوا الدار الآخرة؛ فتلك دار لا يموت سكانها، ولا يخرب بنيانها، ولا يهرم شبابها، ولا يبلى نعيمها، ولا يتغير حسنها وإحسانها وحِسانُها، يتقلب أهلها في رحمة أرحم الراحمين: {دَعْوٰهُمْ فِيهَا سُبْحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَءاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} [يونس:10]. أيها المؤمنون، {إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً}. لبيك اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر. اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر. اللهم رحمة من عندك، اهد بها قلوبنا، واجمع بها شملنا، ولُمَّ بها شعثنا، ورد بها الفتن عنا. عباد الله، {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}, فاذكروا الله يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
موضوع: رد: عذاب القبر السبت سبتمبر 12, 2009 7:09 am
شكرا اخي ابو عبد الرحمن اللهم كثر من امثااااااااالك ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ معكم بنت ناس$(روز )$قلبها الماس لا تنسو كلي اخلاااااااااااااااااااااااااااااااص
موضوع: رد: عذاب القبر السبت سبتمبر 12, 2009 4:00 pm
اقتباس :
بنت ناس$(روز)$قلبها الماس كتب:
شكرا اخي ابو عبد الرحمن اللهم كثر من امثااااااااالك ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ معكم بنت ناس$(روز )$قلبها الماس لا تنسو كلي اخلاااااااااااااااااااااااااااااااص
جزاك الله كل خير [بنت ناس$(روز )$قلبها الماس]
وتقبلي مني هذا الكتاب هدية يوضح مفهوم الإخلاص بالوجه الشرعي الذي ندعوا له وستجدينه على الرابط