الشيخ محمد الداه بن أحمد الشنقيطي
الخطبة الأولى
عباد الله: اتقوا الله العظيم واسألوه أن يهديكم صراطه المستقيم ثم اعلموا رحمكم الله أنه ثبت في صحيح مسلم من خطبة النبي أنه قال: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن امتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بالبلاء وأمور تكرهونها، وتجيئ فتنة يرقق بعضها بعضاً، وتجيئ الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف وتجيئ الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن إستطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر)).
وإن الله تعالى لما أوجب عليكم الإنصات لخطبة الجمعة أوجب على الخطباء أن يعظوا الناس ويذكروهم بأيام الله تعالى ويدلوهم على خير ما يعملونه لهم وينذرونهم شر ما يعلمونه لهم وإني أنذركم هذه الأيام التي أنذركم الله بها في كتابه يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل أمرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ، ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً .
وأحذركم النار التي حذركم الله ورسوله: يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ، وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين ، يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي أنه قال: ((لاتنسوا العظيمتين: الجنة والنار، ثم بكى حتى جرى أو بلَّ دموعه جانبي لحيته ثم قال: والذي نفس محمد بيده لو تعلمون ما أعلم من أمر الآخرة لمشيتم إلى الصعيد ولحثتم على رؤسكم التراب))1، وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: رأيت الجنة والنار))2، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يخطب يقول: ((أنذرتكم النار أنذرتكم النار حتى لو أن رجلاً كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا حتى وقعت خميصة كان على عاتقه عند رجليه))3.
عباد الله: أمر أفزع رسول الله هذا الفزع، وحذركم منه هذا التحذير، ألا تفزعون منه؟ ألا تحذرون منه؟ بلى إننا أولى بالفزع والخوف والوجل، ولكن الغفلة والعناد أستحوذتا على قلوب العباد، واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لايظلمون .
1 - رواه أبو يعلي .
2 - رواه مسلم .
3 - رواه الحاكم على شرط مسند .
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله، ليس في أمره خفى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله في إتباعه مكتفى.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، وإياكم والغفلة وما يؤدي إلى قساوة القلوب، وعليكم بالخوف والرجاء فهما جناحا المؤمن لا يطير إلا بهما وإلا هلك في حياته أو مماته، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي))4.
عباد الله: أينا لا يعرف مساخط الجبار ويوبق في النار ويدخل النار، وأينا لايعرف ما يرضى العزيز الغفار؟ فما لنا نرتكب ما يأتي باللفحات ولا تتعرض للنفحات، اللهم اجعلنا من الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها، اللهم أهد قلوبنا، وبصرنا بعيوب أنفسنا، وأشغلنا بإصلاحها عن تتبع عورات الآخرين والخوض فيما لايرضي رب العالمين.